سورة الممتحنة - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الممتحنة)


        


{إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم} وهم مشركو مكة {أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} الآية.
(خ) عن عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه وكره المؤمنون ذلك وأبي سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً وجاءت المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون عنها النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها حتى أنزل الله فيهن {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن} إلى: {ولا هم يحلون لهن} قال عروة فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن بهذه الآية: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات} إلى قوله: {غفور رحيم} قال عروة قالت عائشة فمن أقرت بهذا الشرط منهن؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد بايعتك» كلاماً يكلمها والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ولا بايعهن إلا بقوله، وقال ابن عباس أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً حتى إذا كان بالحديبية صالحة مشركو مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى مكة من أصحابه لم يردوه إليه وكتبوا بذلك كتاباً وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة بعد فراغ الكتاب وأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وقيل هو صيفي بن الراهب في طلبها وهو كافر فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طية الكتاب لم تجف بعد فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} أي من دار الكفر إلى دار الإسلام {فامتحنوهن} قال ابن عباس امتحانها أن تستحلف ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا لحدث أحدثته ولا التماس دنيا وما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فإذا حلفت على ذلك لم يردها فاستحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة فحلفت فلم يردها وأعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها فتزوجها عمر بن الخطاب قال المفسرون المراد بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي تولى امتحانهن بنفسه فكان يمسك من جاءه من النساء بعد الامتحان ويعطي أزواجهن مهورهن ويرد من جاء من الرجال.
واختلف العلماء هل دخل رد النساء في عقد الهدنة لفظاً أو عموماً فقيل قد كان شرط ردهن في عقد الهدنة لفظاً صريحاً فنسخ الله تعالى ردهن من العقد ومنع منه وأبقاه في الرجال على ما كان في العقد وقيل لم يشترط ردهن في العقد لفظاً صريحاً وإنما أطلق العهد فكان ظاهره العموم لاشتماله على النساء وعلى الرجال فبين الله تعالى خروجهن من عموم العقد وفرق بينهن وبين الرجال في الحكم، {الله أعلم بإيمانهن} أي هذا الامتحان لكم والله أعلم بإيمانهن {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} إي إذا أقررن بالإيمان فلا تردوهن إلى الكفار لأن الله لم يبح مؤمنة لكفار {وآتوهم} يعني أزواجهن {ما أنفقوا} أي عليهن من المهر الذي دفعوه إليهن، {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} أي مهورهن أباح الله للمسلمين نكاح المهاجرات من دار الحرب إلى دار الإسلام وإن كان لهن أزواج كفار في دار الحرب لأن الإسلام فرق بينهن وبين أزواجهن الكفار ووقفت الفرقة بانقضاء عدتها فإن أسلم الزوج قبل انقضاء عدتها فهي زوجته وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة تقع الفرقة باختلاف الدارين، {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} جمع عصمة وهي ما اعتصم به من العقد: والسبب نهى الله تعالى المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات يقول الله تعالى وإن كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها فقد انقطعت عصمة الزوجية بينهما.
قال الزهري لما نزلت هذه الآية طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا بمكة مشركتين قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة والأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية وهي أم ابنه عبيد الله فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غنم وهما على شركهما.
وكانت أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب تحت طلحة بن عبيد الله فهاجر طلحة وبقيت هي على دين قومها ففرق الإسلام بينهما فتزوجها بعده في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص بن أمية قال الشعبي وكانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع أسلمت وهاجرت ولحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأقام أبو العاص بمكة مشركاً ثم أتى المدينة فأسلم فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم {واسألوا} أي أيها المؤمنون {ما أنفقتم} يعني إن لحقت امرأة منكم بالمشركين مرتدة فاطلبوا ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ممن تزوجها منهم {وليسألوا} يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم {ما أنفقوا} من المهر إذا منعوها ممن تزوجها منهم {وليسألوا} يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم {ما أنفقوا} من المهر ممن تزوجها منكم {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} قال الزهري ولولا الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش لأمسك النساء ولم يرد الصداق وكذلك صنع بمن جاء من المسلمات قبل العهد فلما نزلت هذه الآية أقر المؤمنون بحكم الله تعالى وأدوا ما أمروا به من أداء نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما أمر من أداء نفقات المسلمين.


{وإن فاتكم} أيها المؤمنون {شيء من أزواجكم إلى الكفار} أي فلحقن بهم مرتدات {فعاقبتم} معناه غزوتم فغنمتم وأصبتم من الكفار عقبي وهي الغنيمة وقيل معناه ظهرتم وكانت العاقبة لكم {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم} أي إلى الكفار {مثل ما أنفقوا} معناه أعطوا الذين ذهبت أزواجهم منكم إلى الكفار مرتدات مثل ما أنفقوا عليها من الغنائم التي صارت في أيديكم من أموال الكفار قال ابن عباس لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة أم الحكم بنت أبي سفيان وكان تحت عياض بن شداد الفهري وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة وكانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن يهاجر بها أبت وارتدت وبروع بنت عقبة وكانت تحت شماس بن عثمان وعزة بنت عبد العزيز بن نضلة وتزوجها عمرو بن عبد ود وهند بنت أبي جهل بن هشام وكانت تحت هشام بن العاص بن وائل وأم كلثوم وكانت تحت عمر بن الخطاب فكلهن رجعن عن الإسلام فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجهن مهور نسائهم من الغنيمة واختلف القول في رد مهر من أسلمت من النساء إلى زوجها هل كان واجباً أو مندوباً وأصل هذه المسألة أن الصلح هل كان وقع على رد النساء أم لا فيه قولان أحدهما أنه وقع على رد الرجال والنساء جميعاً لما روي أنه لا يأتيك منا أحد إلا رددته ثم صار الحكم في رد النساء منسوخاً بقوله تعالى: {فلا ترجعوهن إلى الكفار} فعلى هذا كان رد المهر واجباً. والقول الثاني أن الصلح لم يقع على رد النساء لأنه روي عن علي أنه قال لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته وذلك لأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة في الرد ما يخشى على المرأة من إصابة المشرك إياها وأنه لا يؤمن عليها الردة إذا خوفت وأكرهت عليها لضعف قلبها وقلة هدايتها إلى المخرج من الكفر بإظهار كلمة الكفر مع التورية وإضمار كلمة الإيمان وطمأنينة القلب عليه ولا يخشى ذلك على الرجل لقوته وهدايته إلى التقية فعلى هذا كان المهر مندوباً.
واختلفوا في أنه هل يجب العمل به اليوم في رد المال إذا شرط في معاقدة الكفار فقال قوم لا يجب وزعموا أن الآية منسوخة وهم عطاء ومجاهد وقتادة قال قوم الآية غير منسوخة ويرد عليهم ما أنفقوا قوله تعالى: {واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون}.


{يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} الآية قال المفسرون لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من بيعة الرجال وهو على الصفا أتته النساء يبلغنه وعمر بن الخطاب أسفل منه يبلغهن عنه وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعهن {على أن لا يشركن بالله شيئاً} فرفعت هند رأسها وقالت والله إنك لتأخذ علينا أمراً وما رأيناك أخذته على الرجال وكان قد بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط فقال النبي صلى الله عليه وسلم {ولا يسرقن} فقالت هند إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات فلا أدري يحل لي أم لا فقال أبو سفيان ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو حلال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها وإنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك فقال {ولا يزنين} فقالت هند أو تزني الحرة؟ فقال {ولا يقتلن أولادهن} فقالت هند ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن} فقالت هند والله إن البهتان لقبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، {ولا يعصينك في معروف} فقالت هند ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء فأقر النسوة بما أخذ عليهم من البيعة قال ابن الجوزي وجملة من أحصى من المبايعات أربعمائة وسبعة وخمسون امرأة ولم يصافح في البيعة امرأة وإنما بايعهن بالكلام،.
(ق) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية على أن لا يشركن بالله شيئاً وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا يملكها»، وأما تفسير الآية فقوله تعالى: {ولا يقتلن أولادهن} أراد به وأد البنات الذي كان يفعله أهل الجاهلية ثم هو عام في كل نوع من قتل الولد ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن يعني لا تلحق المرأة بزوجها غير ولده وذلك أن المرأة كانت تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فهذا هو البهتان المفتري وليس المراد منه نهيهن عن الزنا لأن النهي عنه قد تقدم ذكره ومعنى بين أيديهن وأرجلهن أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها ولا يعصينك في معروف أي في كل ما تأمرهن به أو تنهاهن عنه وقيل في كل أمر وافق طاعة الله وكل أمر فيه رشد وقيل هو النهي عن النوح والدعاء بالويل وتمزيق الثياب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه وأن لا تحدث المرأة الرجال الأجانب ولا تخلو برجل غير ذي محرم ولا تسافر مع غير ذي محرم، قال ابن عباس في قوله: {ولا يعصينك في معروف} إنما هو شرط شرطه الله على النساء أخرجه البخاري.
(ق) عن أم عطية قالت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: {أن لا يشركن بالله شيئاً} ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها فقالت فلانة أسعدتني فأنا أريد أن أجزيها فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فانطلقت ثم رجعت فبايعها.

1 | 2 | 3